من هو سيدي عبد الرحمن الودغيري؟

القطب العارف بالله الشيخ عبد الرحمن الودغيري

                                                إنجاز: هلالي العربي ديسمبر 2022

 

في أواسط النصف الثاني من القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي ولد القطب العارف بالله العالم أبو زيد عبد الرحمن بن يعلى بن عبد العلى بن أحمد بن الأمير محمد بن الخليفة إدريس الثاني، ولد عبد الرحمن الودغيري في بيت علم وصلاح، بيت أسلافه الشرفاء المرموقين في حاضرة فاس المحروسة في حي الكغاتين بباب الفتوح.

في هاته البيت نشأ نشأة الأمراء الصالحين قريبا من دار العلم والعرفان جامع القرويين(1) وكان يتردد عليه منذ صباه، يحضر مختلف حلقاته المعرفية الى ان اشتد عوده واصبح احد علمائه المبرزين ودعاته المؤثرين ومفتيه الوسطيين وخطيبه الشاب، وبقي على هذا الحال الى ان دعاه منادي الهجرة المحتومة، بعد سقوط الدولة الإدريسية الأولى بفاس في العقد الثاني من القرن الرابع الهجري/ العقد الثالث من القرن العاشر الميلادي، بفعل موسى بن ابي العافية المكناسي المغراوي، قائد العبديين الشيعة الفاطميين الذي أخذ يلاحق حفدة المولى إدريس الثاني ملاحقه شرسة أينما وجدوا، فلجأ من نجا منهم بقمم الجبال وتخوم الصحاري ،فتوجه بدوره الشيخ عبد الرحمان الود غيري ومعه  أبناؤه وحاشيته أولا الى قبيلة آيت اعتاب بإقليم بني ملال، حيث كان يقيم أبناء عمومته حفدة الأمير عيسى بن إدريس الثاني، ومن هنالك توجه أخيرا الى صحراء فجيج ونزل على قبيلة أوتطغير المرينية الزناتية، واستقر في مركز تجمعها الذي كان يسمى آنذاك آيت اسميمن وحاليا ببني ونيف وذلك في نهاية

سنة 317 ه / 992 م معززا مكرما حتى لقب بالشريف الوتطغيري ومع مرور الزمن وابتغاء خفة النطق تطورت الى الوتدغيري ثم الى الودغيري في نهاية المطاف. (2)

بعدما استقر الشيخ عبد الرحمان بمنطقة فجيج واتخذ قصر بني ونيف مقرا لإقامته، واسس النواة الاولى للمسجد العتيق به وجعل منه مركز علم وصلاح يدعو الى تصحيح مفاهيم الدين الحنيف ومحاربة المبادئ المتطرفة التي كانت قد انتشرت في المنطقة انتشار النار في الهشيم ، وعندما اطمأن عبد الرحمن الودغيري على مصير رسالته ومستقبل جماعته، تاقت همته الى العبور الى الأندلس قصد قضاء بقية حياته في الجهاد في ثغور المسلمين ولا سيما بعدما علم بأن ابن عمه الامير أحمد أبو العيش(3) ثاني أمراء الدولة الإدريسية الثانية بالريف الغربي يتفاوض مع الخليفة الاموي بالأندلس عبد الرحمن الناصر(4) في موضوع العبور الى الاندلس قصد الجهاد أيضا.

وفي نهاية العقد الثالث من القرن الرابع الهجري/ نهاية العقد الرابع من القرن العاشر الميلادي، جمع الشيخ عبد الرحمن الودغيري أمره وشد رحاله، فتوجه أولا هو وبعض أبنائه ومرافقيه نحو قلعة حجر النسر بالريف الغربي  (5)حيث يتواجد ابن عمه الامير أحمد ابو العيش لينسق معه أمر الجهاد بثغور المسلمين بالأندلس، واتفقا على تكوين جيش واحد تحت قيادة الأمير أحمد أبو العيش وتحت راية عبد الرحمن الناصر خليفة الامويين بالأندلس، فاتجه الجميع الى الجزيرة الخضراء حيث استقبلوا استقبال المجاهدين الكبار وأحيطوا بكامل العناية و الاعتبار من قبل الخليفة المرواني الذي جهزهم أحسن تجهيز بما يليق بكبار المجاهدين، حيثما حلوا وارتحلوا، بثغور المسلمين قبالة جحافل الإفرنجة، فجاهدوا في سبيل الله حق جهاده صابرين محتسبين، الى أن سقط الكثير من جمعهم شهداء سنة 348 ه/ 959 م وفي مقدمتهم الاميران الاكرمان، حفدة الخليفة إدريس الثاني، الامير أحمد ابو العيش القادم من إماره الريف، والشيخ العارف بالله عبد الرحمن الودغيري القادم من صحراء فجيج. ودفن الجميع في مقبرة غرناطة رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.

اما الشيخ عيسى الإبن الأكبر وخليفة والده عبد الرحمن الودغيري على صحراء فجيج، فقد صار على سنة والده داعيا الى الرجوع الى مبادئ الدين الحنيف من منبر المسجد العتيق ببني ونيف، حيث جعل منه بدوره مركزا مشعا على منطقة فجيج وصحرائها التي كانت مرتعا خصبا للمذاهب المتطرفة الى أن توفي رحمه الله سنه 355 ه/ 965 م ودفن في مقبرة الوداغير المحادية لقصر بني ونيف وأقيم عليه ضريح جنائزي يقصده الزوار الى يومنا هذا.

وفي نهاية القرن الخامس الهجري/ نهاية القرن الحادي عشر الميلادي انتقل بعض حفدة الشيخ عيسى بن عبد الرحمن الودغيري الى المنطقة العليا من واحة فجيج، وجمعوا بعض ما كان يتواجد فيها من دواوير القبيلة الجرارية الزناتية واسسوا قصرا سمي بقصر الوداغير) آيت عدي(،وشيدوا في حافته الجنوبية على منابع الماء مسجدا عتيقا مشابها للمسجد العتيق بقصر بني ونيف، والى جانبه تم إقامة صومعة موشورية وعلى علو خمسه متر، وذلك سنة 542 ه/ 1147 م، وفي سنة613 ه/ 1219 م اجتمع أمر جماعة قصرالوداغير على إنجاز المرحلة الثانية للصومعة الحجرية، على شكل هندسي ثماني الاضلاع من علو 19 متر، واستعمل في بنائها حوالي  13640 صفيحة رقيقة من الحجر الكلسي الصلب(6) .

وبناءا على ما ورد عند العطار القسطنطيني(7) فإن جماعة أعيان الوداغير آنذاك كانت تتكون من:

/1مولاي مخلوف بن خلف الله بن عبد القادر بن الطاهر بن عبد الله بن عبد الله سلطان بن مناصر بن الشيخ عيسى بن القطب عبد الرحمن الودغيري ،وتوفي بفجيج سنة 626 ه1228/ م وهو الجد الجامع للمخلوفيين قاطبة.

/2 مولاي محرز بن محمد بن عبد الله الشريف بن عبد الحميد بن أمامة بن مناصر بن الشيخ عيسى بن القطب عبد الرحمن الودغيري وهو الجد الجامع للزيانيين والمحارزة والعياشيين و غيرهم.

/3مولاي عبد الله بن يعقوب بن محمد بن ميمون بن عبد الله بن مناصر بن الشيخ عيسى بن القطب عبد الرحمن الودغيري وهو الجد الجامع للميمونيين والغيلانيين وال عثمان، أحمد، محمد وعبد الله ابناء عطية.

/4 مولاي ناصر بن عبد الحق الودغيري، من حفدة الشيخ جمال الدين بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الشريف بن عبد الحميد بن أمامة بن مناصر بن الشيخ عيسى بن القطب عبد الرحمن الودغيري.

/5 مولاي عمر بن محمد الودغيري. (8)

وهؤلاء هم الأصول الودغيرية التي استوطنت قصر الوداغير ومنها تفرعت أغلب الفرق الودغيرية التي انتشرت في جميع الأصقاع غربا، شرقا، جنوبا، وشمالا، ولا تزال لمساتهم القائمة في ميدان العلم والعرفان شاهدة على دورهم المتميز في تطوير وتنمية هذا الموروث الحضاري والثقافي، كمراكز علمية وزوايا صوفية سنية ومعالم حضارية، تمثل في مجملها وكنهها التراث المغاربي الغير المادي، ونأمل أن يكون لمؤسسة القطب عبد الرحمن الودغيري العتيدة القدح المعلى والدور الرئيس في تنمية هذا الموروث الغير المادي، دراسة وتحليلا ونشرا في إطار مخططاتها المستقبلية بالتعاون مع الجهات المختصة والمهتمة، والله لا يضيع اجر من أحسن عملا.

 

الهوامش:

/1 تم تشييد النواة الأولى لجامع القرويين سنة 245ه859/م.

/2بناء على ما تشهد به وثائقهم المعاملاتية عبر الأزمنة المتتابعة.

/3هو أحمد أبو العيش الأمير الثاني للدولة الإدريسية الثانية في الريف الغربي، ابن القاسم كنون )مؤسس الدولة الإدريسية الثانية بالريف الغربي سنة 323ه934/ م (بن محمد بن الأمير قاسم بن الخليفة إدريس الثاني.

/4هو عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الداخل الى الأندلس سنة 323ه/934 م بن الحكم بن هشام بن معاوية بن هشام بن خليفة المسلمين عبد الملك بن مروان الأموي.

/5بناها محمد بن ابراهيم بن محمد بن القاسم ابن الخليفة إدريس الثاني سنة 173ه/992 م

/6أحمد بن المبارك العطار القسطنطيني في كتابه: شيوخ المخالف أصحاب الحوز الشريف، مراجعة وتحقيق: هلالي العربي ومحمد بنعلي )نونبر 2022. (

/7 نفس المرجع.

/8 أصول آل امحمد بن عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الحميد بن أمامة بن مناصر بن الشيخ عيسى بن القطب عبد الرحمن الودغيري وهم أهل سجلماسة كما ورد عند البو بكري محمد السيوطي في كتاب: “إحياء الميت في ذكر أهل البيت” مخطوط في المكتبة الوطنية تحت رقم.1375/777

FrenchUSAMorocco