الأدارســة عبـر التاريــخ
إنجاز الباحث المهندس العربي هلالي
20 غشت 2020
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أحداث الفتنة الكبرى في صدر الإسلام قد فعلت فعلها السلبي في نفوس المسلمين قاطبة وأدت إلى تنازل الحسن بن علي عن الخلافة (41 ه / 661 م) حقنا لدماء المسلمين، واستشهاد الحسين بن علي بكربلاء (60 ه / 679 م) وبذلك ترسخ ملك بني أمية في الشام. إلا أنه رغم تنازل الحسن بن علي فقد استمر النقاش الحاد في جميع الأصقاع الإسلامية حول موضوع الخلافة وأحقيتها، وكذلك كان الأمر بين المذاهب المختلفة السائدة آنذاك: السنة والشيعة والخوارج. إلا أن الرأي الغالب كان يتجه نحو أحقية الهاشميين بها، وذلك ما أدى إلى قيام ثورات هنا وهناك، حتى انعقد الأمر أخيرا بالمدينة المنورة للإمام العلوي محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل (المحض) بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي كرم الله وجهه بمساندة من الإمام مالك وبتأييد من العباسيين وعلى رأسهم جعفر المنصور، كما بويع أخوه إبراهيم (الغمر) بالبصرة، وإدريس بالمغرب، ومحمد بن سليمان بتلمسان ويحيى بالدليم، إلا أن العباسيين نقضوا عهدهم عندما أخد الضعف والوهن ينخر هياكل الدولة الأموية، فبايعوا جعفر المنصور العباسي خليفة للمسلمين، بدعوى أن بني العباس بن عبد المطلب أحق بالخلافة، لأنهم أهل البيت أيضا. وهنا ينبغي التذكير بأن أغلب الأئمة اتفقوا على أن بني هاشم هم آل البيت، وما فوق هاشم بن عبد المطلب فيه خلاف، وذلك اعتمادا على أن الصدقة حرمت على بني هاشم، وخصص لهم خمس الغنائم استنادا إلى قوله صلى الله عليه وسلم “لا تحل الصدقة لا لمحمد ولا لآل محمد” وهنالك من العلماء من حصر آل البيت في ذرية علي كرم الله وجهه، والمشهور عند عامة المغاربة أن آل البيت هم ذرية الحسن والحسين فقط، إلا أن الراجح والمتفق عليه هو أن بني هاشم كلهم آل البيت، ودرية الحسن والحسين أشرف أهل البيت، وذلك تمشيا مع حديث الإختيار المروي عن وائلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ومن بني إسماعيل كنانة، ومن كنانة قريشا، ومن قريش بني هاشم”، أخرجه مسلم في صحيحه.
وفي المغرب، رغم الفتوحات المتتالية التي عمته، فإن الأمر لم يستقر للأمويين، لأن سكانه كانوا يتراجعون عن التزاماتهم بمجرد انسحاب الجيوش الفاتحة، فيلتفون من جديد حول زعماء قبائلهم. وبقي الحال كذلك حتى قيام الدولة العباسية، مما تسبب في نشوء فراغ سياسي في المغرب الأقصى طوال هذه الفترة التاريخية، ملأه الخوارج بفرقهم المختلفة (بني رستم وبني مدرار) وحتى الضالة منها والأشد تطرفا مثل البرغواطية وغيرها. إضافة إلى ما كانت قد آلت إليه حالة القبائل المغربية من تنازع وتفكك، أرهقها وجعلها تنشد الإستقرار والوحدة.
ولم يكد يظهر المولى إدريس بالمغرب قادما من مكة المكرمة بعد وقعة فخ سنة 169 ه/725م رفقة مرافقه الأوربي الأصل، الذي سيق إلى المشرق أيام موسى بن نصير فيمن سيق من المغاربة، حتى رأت فيه القبائل الأمازيغية المخلص المنتظر الذي سيمكن للدين الإسلامي كعقيدة وللغة العربية كوسيلة للإتصال بمصادره الأساسية، وأدركوا في نفس الوقت بأن أهم مرحلة في تاريخ المغرب السياسي ستبتدئ بظهوره وأن الأسس القوية والصلبة للدولة المغربية ستتحقق بالتفافهم حوله، فأسلموا له القيادة دون مقاومة أو معارضة تذكر، لأنهم أدركوا فيه أيضا المثل الأعلى للأخلاق الإسلامية، كما كانوا يتصورونها. كيف لا وهو حفيد الرسول الأعظم، وقد وصل إليهم دون جيوش جرارة تدعمه، ولا مغانم يريدها، ولا سلطة مطلقة يتوق إليها، إنها شخصية مثالية، تختلف كل الإختلاف عما ألفوه فيمن سبقه من القادة العرب الفاتحين، ووجدوا فيه القائد الذي سيجمع كلمتهم، فتوحدوا حوله وصاهروه، وتم بذلك تأسيس بداية الدولة المغربية الإسلامية سنة 170ه/786م.
لقد وجد الأمازيغ فيما حمل إليهم المولى إدريس من التعاليم الصحيحة ضالتهم المنشودة والتي يمكن اعتبارها مراجعة عميقة لما كان يروج من الأفكار التي كان يدعو إليها الخوارج المتطرفة والشيعة المنحرفة، فأجمع المولى إدريس أمره ومعه برابرة آمنت بربها لمحاربتها والعمل على القضاء عليها بالدعوة والسيف، فاتسعت رقعة الإسلام الصحيح غربا وشرقا وشمالا وجنوبا. واستمر الأمر كذلك إلى أن تم القضاء عليه بتآمر من آل العباس خلفاء بغداد، تخوفا من سرعة انتشار نفوذه، فتولى مكانه ابنه المولى إدريس الثاني سنة 188/803، الذي جعل من فاس عاصمة الدولة المغربية، وواصل نهج أبيه، فساد الازدهار والاستقرار، ثم تلاه ابنه الأمير محمد، فاستخلف إخوانه الأمراء على الجهات المختلفة من المغرب، لتكون بذلك الدولة قريبة من القبائل شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، فامتزج الأدارسة ولأول مرة بالسكان الأصليين، فعقد رحمه الله:
- لأحمد بن إدريس على مدائن مكناسة وبلاد فزازة
- لعبد الله بن إدريس على تادلة وأغمات وسوس الأقصى وبلاد المصامدة،
- لعيسى بن إدريس على شالة وسلا وتامسنة وأزمور،
- لعمر بن إدريس على باديس وماحوله، بلاد طنجة واغمارة
- لأبي القاسم على سبتة، تطوان وبلاد مصمودة
- لداوود بن إدريس على تلمسان، وهوارة
- ليحيى بن إدريس على أصيلة والعرائش
- لعلي بن إدريس على تافيلالت والصحراء،
- حمزة بن إدريس على تازة والجهة الشرقية،
- عمران بن إدريس على بعض جهات الجبل على رواية بعض المؤرخين.
فتعاقب الأحفاد وأبناء الأحفاد على رأس الدولة المغربية الإدريسية، تارة من موقع قوة وتارة أخرى من موقع ضعف، تبعا للظروف السياسية التي كانت تحيط بالدولة الإدريسية من جميع جوانبها، والتي كان يتجاذبها المروانيون (الأمويون) من عدوة الأندلس، والعبيديون الفاطميون من القيروان، والبرغواطيون غربا على شاطئ المحيط إلى طنجة، إضافة إلى بعض الخلافات الداخلية التي كانت تنشأ بين الإخوة والأحفاد الأدارسة.
كل تلك العناصر مجتمعة لم تفت في عضدهم ولم تلههم كليا عن متابعة الخط الذي رسمه كل من المولى إدريس الأول والثاني حتى انتهت دولتهم الأولى سنة 310/922 تحت وطأة العناصر التي تمت الإشارة إليها، ثم تلاها سقوط دولة الأحفاد سنة 375/985، ثم بعد ذلك دولة بني حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن إدريس في صدر المائة الخامسة في الأندلس ولله الأمر من قبل ومن بعد.
بعد النكسة الأولى سنة 310/922، زمان موسى بن أبي العافية المكناسي قائد العبيديين الفاطمين، ابتدأت الهجرة الكبرى للأدارسة من فاس نحو جميع الجهات البعيدة أو القريبة وإلى عدوة الأندلس كما يقول بن خلدون “افترق الأدارسة في القبائل وانتشروا في الأرض ولاذوا بالإختفاء”. فلقد ثبت بأنه في نهاية الفترة الأولى نزحت من فاس حوالي سبعون عائلة إلى بلاد أغمارة، وإثنا عشرة إلى تادلة، وسبعة إلى فجيج، تحت قيادة الشيخ العالم الصالح عبد الرحمن الملقب بالودغيري، الذي سقط مجاهدا بالأندلس ودفن بغرناطة عام 348ه/959م، بن يعلى بن عبد العلي بن أحمد بن محمد بن إدريس، وهو جد جميع الأشراف الودغيريين، وأربعة إلى تافيلالت، وعشرة إلى سوس، وأربعة إلى دكالة، وأربعة إلى تامسنة، وسبعة إلى وطاط الحاج (ميسور) وخمسة إلى درعة، وثمانية إلى الساقية الحمراء وعشرون إلى بلاد الأندلس.
ذلك الكم الهائل من الأشراف الأدارسة الذين اندمجوا في القبائل المختلفة في الجهات المختلفة من المغرب في معناه الواسع – نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجري- إضافة إلى الإمتزاج الأول إثر توزيع إخوة المولى محمد بن إدريس على مناطق المغرب، يجعل من الأدارسة قوة أكثر فعالية من أجل نشر العقيدة السليمة وصيانة أصولها، لأنه بالرغم من زوال سلطانهم المادي، فقد بقي المغاربة متعلقين بهم وبتاريخهم الذي يعد القوة التي مكنت للدين ووحدت الصفوف وجعلت من المغاربة أمة ذات قيم وحضارة لم تضعف روحيا قط.
إذا نحن تمعنا الخريطة الممتدة لتواجد الأشراف الأدارسة بعد نكبتهم في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجري، وجدنا أن هذه الفترة من التاريخ المغربي تصادف بداية التحرك السياسي للمرابطين، بدءا من الجنوب المغربي في اتجاه شماله أولا ثم إلى عدوة الأندلس ثم إلى المغرب الأوسط بعد ذلك، ولقد صاحب هذه التحركات تنقلات الأدارسة أيضا، فهذا علي بن يوسف بن تاشفين يحمل معه عند رجوعه من الأندلس في العقد الثامن من القرن الخامس مجموعة كبيرة من الأدارسة تفرقت أيضا في الجهات المختلفة من المغرب. ومند نهاية القرن الخامس الهجري أخد نوع من استقرار الأدارسة يتم، حيث انصهروا نهائيا في القبائل المختلفة التي آوتهم إلى حد أن ألسنتهم تمزغت وتمسكوا بأسماء القبائل المختلفة التي نزلوا بها، فلقبوا بالودغيري، والصغروشني، والفزازي، والركيبي، والعروصي، والغماري، واليزناسني، والسوسي، والبوركي، والباعمراني … وأخذوا يكونون مراكز مشعة في المناطق والقبائل التي تجمعوا فيها، مبتعدين كل البعد عن السياسة، مركزين على الدعوة ونشر المعرفة والقيام بدور المصالح سواء داخل القبيلة أو بين القبائل.
و رغم أن الدولة الموحدية قد ارتكزت في أول أمرها على الإيديولوجية المحضة، إلا أنها لم تغفل عنصر الإنتساب للآل البيت أو للقرشية على الأقل. أما الدولة الحفصية بتونس، فمند منتصف القرن الثالث عشر م وهي تدعو لنفسها بالخلافة ولاسيما بعد سقوط الدولة العباسية، ومن أجل إضفاء الشرعية على مطلبها، فقد سعت إلى الحصول على بيعة شرفاء مكة، مما ركز نفوذها على مستوى المغرب الكبير وأصبح لها مناصرون أقوياء بين قبائل بني مرين، التي استغلت غطاء الخلافة الحفصية ظاهريا، أما هدفها الحقيقي فقد كان يرمي إلى انتزاع الزعامة الشرعية (الخلافة) من يد الحفصيين المصامدة الذين كانوا قد اكتسبوها بعدما ضعف منافسوهم الموحدون.
ولقد تبع أبو الحسن المريني نفس أسلوب الحفصيين من أجل الحصول على بيعة أشراف الحجاز، 704ه / 1304م، قصد تزكيتهم كخلفاء بدلا من خصومهم الجدد الحفصيين.
أما داخليا فقد اتجه المرينيون إلى الإهتمام بشرفاء المغرب والسعي لإرضائهم من أجل اكتساب الشرعية داخليا من جهة، ومن جهة أخرى مواجهة النفوذ المتنامي للصوفية التي اتجهت نحو استمالة آل البيت بالدعوة إلى حبهم واحترامهم، فاستمال الصوفية بذلك أغلبية أهل البادية، وفي مرحلة لاحقة – بداية العهد المريني- حتى بعض سكان الحواضر أيضا.
ولقد دهب المرينيون بعيدا في تعظيم واحترام الشرفاء، حيث تم إحداث ديوان خاص، ينظم علاقة الأشراف بالدولة، وأصدروا ظهائر التوقير والإحترام والإعفاء من جميع الإلتزامات التي كان يطالب بها غيرهم.
في نهاية القرن الثالث عشر م، أي مع بداية العهد المريني كان الأشراف يصنفون إلى قدامى وهم الأدارسة والسعديون شرفاء درعة، وإلى شرفاء جدد وهم السبتيون الحسينيون الذين استقروا بسبتة في منتصف القرن الثالث عشر م. والشرفاء العلويون الذين قدموا من الحجاز في أواخر القرن الثالث عشر م واستقروا بسجلماسة.
إلا أن الذي يهمنا في هذا الإطار هم الشرفاء الأدارسة أو القدامي، فقد ظلوا معتصمين بالصمت طوال قرون كما رأينا أي مند سقوط دولتهم نهائيا سنة 440/1048، لأنهم كانوا في أشد الحاجة إلى لم الشعت وبلسمة الجروح وإلى التأقلم مع البيئات الجديدة التي انتظموا فيها، مكتفين بالدعوة ونشر المعرفة والإصلاح والمصالحة، مما أكسبهم احترام وإكرام القبائل الحاضنة لهم. واستمر هذا الحال طوال زمن المرابطين والموحدين، أما المرينيون الذين أصبحوا يتخوفون من نفوذ الصوفية كما رأينا فقد اتجهوا نحو تجسيد حب آل البيت وترجمته إلى تنظيم مادي ورفعوهم إلى مصاف السلطة، يعظمون ويكرمون. وابتغاء لمرضاتهم، فقد جعل المرينيون من المولد النبوي عيدا رسميا يحتفل به في جميع الجهات المغربية بينما كان محصورا في سبتة مند منتصف القرن الثالث عشر الميلادي. وإرضاء للأدارسة وللشعب المغربي الذي زاد تعلقه بالأدارسة، جعل المرينيون من نقيبهم أو مزوارهم شخصية لها مكانتها المعترف بها يحضر مجالس السلاطين ويستشار في الأمور الهامة للدولة حتى أن السلطان نفسه كان يقوم للنقيب عند دخوله عليه، كما تم الاهتمام، في عهد المرينيين، بإحصاء الأشراف الأدارسة أينما وجدوا مند بداية القرن 8/14م(718/1319). وزاد اهتمام المرينيين بالأدارسة أكثر مند تم اكتشاف قبر المولى إدريس الثاني بمسجد الشرفاء بفاس سنة 841/1437، وجسمه على حاله بعد ستة قرون من وفاته، مما دفع الناس من جميع الجهات إلى القدوم إلى فاس من أجل التبرك برؤيته، حتى خيفت الفتنة ومنع الناس من الوصول إلى فاس. وفي هذه الفترة تم تأسيس الزاوية الإدريسية بفاس ليصبح الأدارسة ولأول مرة يجمعون بين امتيازات الأشراف وأهل الزوايا في آن واحد.
أما الأشراف السعديوين فكانوا طوال قرون بعيدين كل البعد عن التجاذبات، منعزلين في وادي درعة، منقطعين في تلك الصحاري في وضع أقرب ما يكون إلى وضعية المرابطين والصوفية، مما جعل الحركات الصوفية تقترب منهم وتلتف حولهم، سيما بعدما اشتد الخلاف بينهم والمرينيين في نهاية عهدهم، وأن تدفع بالسعديين نحو السلطة، وبذلك قامت الدولة السعدية معتمدة على الزوايا الصوفية والمرابطين في تثبيت قواعد سلطتها.
وبقيام الدولة السعدية زاد الإهتمام بالأشراف، حيث أحدث المنصور أحمد الذهبي ديوانا للأشراف أكثر تنظيما، فرتب لهم وللمرابطين الجرايات بكيفية منتظمة وأسدل عليهم ظهائر التوقير والإحترام دون تمييز بين الطائفتين، وسار ملوك السعديين سيرته من بعده، مما أدى إلى نوع من الإلتباس والخلط بين مفهوم الطائفتين، فكثر المدعون للنسب الشريف واختلط الحابل بالنابل، واستمر الحال كذلك حتى عهد السلطان المولى إسماعيل العلوي، حيث تفطن إلى هذا الخلط الذي استفاد منه الكثير من المدعين والمتحايلين ماديا وسياسيا، فواجه الأمر بحزم وجد، فأحصاهم عدا، ونظم الدواوين لذلك وطعمها بالفقهاء الأكفاء حتى يتحقق التدقيق والإحتراز من الخلط بين الشريف والمرابط والعامي، فأبعد كل من لم يثبت نسبه، كما مكن لوظيفة النقيب إلى درجة أنه أصبح يقضي في شؤون الأشراف الأدارسة بعيدا عن المحاكم التقليدية.
ولقد تمت مراجعة التحقيق في شؤون النسب في عهد السلطان محمد بن عبد الله، حيث تم حصر الشرفاء الأدارسة في الفرق الثمانية التي ثبت نسبها مند عهد المرينيين، وتم تدقيقها وتحيينها في عهد المولى إسماعيل ورسمت سنة 1201/1786 من طرف المولى محمد بن عبد الله بمناسبة الإنعام عليهم بمتروك المنقطعين بفاس ليوزع على الأدارسة قاطبة، وأصدر ظهيرا بذلك، سجلت على طرته الفرق الثمانية كما يلي:
الفرقة الأولى: وتتمثل في ذرية القاسم بن إدريس وهم، الجوطيون (الشبيهيون الغالبيون، الطاهريون وأولاد بن الطاهر أهل الحمام الجديد بمكناسة)، الكنونيون، أولاد أبو العيش، الداوديون، أولاد إبن العياشي، الشداديون، أولاد الشماع، الوكيليون، الزكاريون (القراريون الخياطيون) والبوسرغينيون، وأهل المصدر…
الفرقة الثانية : أبناء محمد بن إدريس : العلميون، الودغيريون، أولاد النيار، أولاد بن الطايع، الكتانيون، أولاد بن الحسن المراكشي، أولاد المسواك، أولاد بن عدو، أولاد محمد بن هاشم، أولاد بن عمرو، الشبانيون والكثيريون…
الفرقة الثالثة: أبناء عيسى بن إدريس : الدباغيون، الماليون (اليزيديون)، اليعقوبيون، الشتيويون (العمراويون)، العرهبيون، (الجراريون، المشرفيون، العفيفيون) والبوزيديون (أولاد بن المجدوب)…
الفرقة الرابعة : أبناء أحمد بن إدريس : الدرقاويون، أولاد كنون (أهل الزواقين بني زروال)…
الفرقة الخامسة : أبناء عمر بن إدريس : أولاد المرني، أولاد الحصار، أولاد الغيثيون والحموديون…
الفرقة السادسة : أولاد عبد الله بن إدريس : العمرانيون أهل الفحص، الصغروشنيون، قبيلة بني شداد أولاد التبر، أولاد النجار، المنصوريون، أولاد بن تسعدانت، أولاد لغريب، والمشامريون، والمغاريون …
الفرقة السابعة : أبناء داوود بن إدريس : البوعنانيون، الدباغون، القصاريون، التونسيون …
الفرقة الثامنة : أبناء يحيى بن إدريس : الزكاريون أهل حاحة.
وتندرج تحت كل فرقة شعب وفروع عديدة، تناولتها كتب الأنساب بتفصيل. ولا يمكن التطرق إليها في هذا العرض الشمولي المركز.
ولقد أكد المولى سليمان والمولى عبد الرحمن بدورهما هذا التنظيم والتصنيف إثباتا وتدقيقا، وسلك الملوك العلويون الكرام بعدهم نهج السلف تعظيما وإكراما للأشراف الأدارسة.
خلاصة :
حل المولى إدريس على ساكنة المغرب عام 170ه/786م مسلحا بالعقيدة السليمة والإيمان القوي والأخلاق السمحة التي جاء بها الدين الحنيف، صورة طبق الأصل لما كان يتحلى به جده صلى الله عليه وسلم، والذي وصفه الله بقوله “وإنك لعلى خلق عظيم” والتي جعل منها نبيه صلى الله عليه وسلم الهدف الأسمى من رسالته، حيث قال “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فالتف الأمازيغ حوله ورفعوا معه راية الإسلام كعقيدة واللغة العربية كوسيلة للإتصال بمصادره. وبذلك ابتدأت أهم مرحلة في تاريخ المغرب السياسي، حيث تم وضع الأسس القوية والصلبة للدولة المغربية التي ستستمر حتى بعد نهاية الدولة الإدريسية نهائيا عام 440ه/1048م.
انحصر دور الأدارسة بعد سقوط دولتهم وامتزاجهم بساكنة المغرب في الإصلاح والمصالحة ونشر المعرفة والتمكين للعقيدة السليمة، وتعميق الأخلاق الكريمة في النفوس، مما جعل منهم قوة معنوية فرضت احترامها على المجتمعات القريبة والبعيدة، حيث وصل أثرهم إلى النوبة، ومصر، وليبيا، وتونس، والجزائر، وبلاد سوس، والساقية الحمراء وتخوم إفريقيا، إلا أنه لم يعرف لهم كيان خاص بهم طيلة عهد المرابطين والموحدين، حيث انحصر دورهم في التبرك بهم في الصدقات والشهادات والتوسل في الشفاعات والتيمن بأطفالهم في الإستشفاء، إلى غير ذلك.
وفي بداية القرن الثالث عشر الميلادي، أي بداية قيام الدولة المرينية، أخذ وضعهم الاجتماعي والسياسي يتحول إلى حضور منظم معترف به رسميا، حيث أصبح لهم كيان يرأسه نقيب يحضر المجالس السلطانية ويتمتع بامتيازات وصلاحيات واسعة، كما أصبح للشرفاء الأدارسة كافة مكاسب تميزهم، ويستمدون قوتهم من السلطة مباشرة، بخلاف ما كان عليه الحال من قبل، حيث كانوا يتمتعون بالتعاطف المعنوي الشعبي فقط.
وبعد اكتشاف قبر المولى إدريس الثاني عام 841ه/1437م، أصبح للأدارسة ولأول مرة زاوية خاصة بهم في فاس، تنافس الزوايا، الشيئ الذي سوف يتبلور وبكيفية أوسع في عهد السعديين الذين اهتموا أيضا بالزوايا الصوفية كمصدر قوة لهم، مما أدى طوال عهدهم إلى الخلط بين الأشراف والمرابطين من حيث الإنتساب، واستمر الحال كذلك حتى عهد السلطان المولى إسماعيل العلوي، حيث فصل في الأمر الفصل الحق، وأبعد عن النسب الشريف كل من لم يثبت له ذلك، ومكن للنقابة حتى أصبحت تقضي في شؤون الأدارسة دون الرجوع إلى القضاء الرسمي، كما تم حصر الأشراف الأدارسة في الفرق الثمانية التي تم التحقق من نسبها، وكذلك فعل السلاطين، محمد بن عبد الله، المولى سليمان ومحمد بن عبد الرحمن. وتبع نهجهم الملوك العلويون الكرام، حفاظا على النسب الإدريسي، وإكراما للشرفاء الأدارسة.
لا تختلف وضعية الأشراف الأدارسة في الوقت الحاضر عما كانت قد آلت إليه في نهاية الدولة السعدية كما رأينا : كثرة المدعين والمتحايلين، تداخل في الأنساب، إلى غير ذلك مما يتطلب إصلاحا جذريا وجديا، وتنقية واسعة لساحة النسب الشريف من الشوائب والأدعياء، مع إبعاد الجهات المتطفلة والإنتهازية عن ساحة الأشراف الأدارسة.
ونأمل أن تساهم المؤسسات والمنظمات المهتمة بهذا المجال في رد الأمور إلى نصابها، كما فعل السلف الصالح منهم، وفي مقدمتهم الملوك العلويون الكرام، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.